إشكالية تدريس النحو في اللغة
العربية المعاصرة
لا شك في أن اللغط على هيمنة النحو في تدريس اللغة العربية كلغة أجنبية منذ ما يزيد على عقدين من الزمن كان من بين أهم الأسباب التي ولّدت ثورة في مجال طرق التدريس و تقنيات التلقين باعتماد التواصل أساسا بدل التحليل و المنطق مجاراة لغيرها من اللغات الحية، و ساهم في هذا التحول الإقبال الكبير على تعلمها و بروز التواصل على رأس الأهداف إضافة إلى دخول الوسائل التكنولوجية في الخط والتي عززت هذا الإتجاه، فكانت النتيجة ما يعكسه واقعنا من صرف الأنظار عما كان الدعامة و الأساس من الدقة في التعبير و مراقبة الفهم باعتماد التحليلات البنيوية والتركيبية و التركيز بدل ذلك على استخدام اللغة لتغطية وظائف و أداء مهام محددة مسبقا بغض النظر عن سلامة اللغة أو عدمها؛ الأمر الذي أدى إلى تزايد الوعي بحاجيات المتعلم الآنية و أهدافه العملية خصوصا و قلل من التركيز على المدرس و ما في جعبته و من أهمية إعداد الطالب لهدف أسمى .
هذا الإنقلاب أدى منذ اندلاعه إلى إنقسام في صفوف المهتمين – منظرين و مدرسين – إلى معسكرين أساسيين مالت الكفة فيه الى سيطرة الثاني على حلبة الصراع :
معسكر يؤكد على أهمية تدريس النحو في الفصل بطريقة منتظمة ممنهجة و جيدة تستقل بذاتها عن غيرها من المهارات كما و كيفا إيمانا منه بأن الأمر إذا لم يتم على هذا الوجه فإن مهارات المتعلم اللغوية لن تنمو بطريقة سليمة وستصاب لا محالة بإعاقة مستدامة.
و معسكر يؤكد على أهمية التواصل بطلاقة باعتماد الوظائف اللغوية المنشودة و دونما اهتمام كبير بالتركيب البنيوي و نهج سبل تدريس النحو بطريقة المعسكر السابق و جعله درسا منفصلا عن الوحدة ككل، بل و ذهب البعض من أنصار هذا الإتجاه إلى أبعد من ذلك بضرورة تبني نحويين، نحو خاص بأهل اللغة و آخر خاص بضيوفها من الناطقين بغيرها.
من الطبيعي أن يحبّذ كل منا هذا المعسكر أو ذاك، و يدافع بقوة عن وجهة نظره بذكر أسباب و مبررات . ليس هذا هو بيت القصيد في موضوعي هذا و لا أود التنظير في هذا المجال فللتنظير رجاله.
ما أود طرحه هنا هو ما نلمسه في الواقع المعاش من إشكالية تدريس النحو كمهارة في خضم ما يتداول على تسميته بالمهارات التواصلية في تدريس اللغة العربية المعاصرة، و سبل ضمان استمرارية هذه المادة الحيوية حية حيوية تساير الركب و تتعايش معه.
يمكن إجمال هذه الإشكالية في الأسئلة التالية:
هل النحو ضرورة أم خيار ؟
كيف يجب التعامل معه كضرورة ؟ و ما سبل تحبيبه ؟
أي نحو ندرس إذا اتخذناه خيارا ؟ لماذا ؟ و كيف ؟
قبل تفصيل نواحي هذه الأسئلة، لا بد من إبداء الملاحظات التالية التي من خلالها يمكن استقراء بعض هذه النواحي:
لا جدال في أن خطابنا المهني السائد حاليا كمدرسي اللغة العربية للناطقين بغيرها، بغض النظر عن ميولاتنا في ممارساتنا الواقعية داخل الفصل، تحول من التركيز على الإلمام باللغة في جوانبها النحوية و البلاغية و سلامة الأسلوب إلى التركيز على حاجيات المتعلم و تنمية قدرته على استعمال اللغة إستعمالا تواصليا مستندا إلى الوظائف لعدة إعتبارات، منها ما لمحت إليه في مقدمة الموضوع أعلاه، و منها ما يتعلق بالمادة الخام الموجودة على صفحات ما يصطلح على تسميته بكتب اللغة العربية المعاصرة. الملاحظ ، و هنا يكمن مربض الفرس، أن البعض يعتقد بل و يجزم أن التركيز في التواصل يجب أن ينصب على التخاطب و ملء الوظيفة دونما اهتمام كبير بالدقة في اختيار ما هو مناسب من مفردات أو بسلامة الأسلوب أو بالضبط النحوي و البلاغي مجاراة لما هو عليه واقع الحال في تعليم و تعلم لغات أخرى. هذا الإعتقاد، في رأيي، لا يبعث على الإرتياح إذ يهدد تبليغ الرسالة تبليغا سليما، و قد يكون مصدر أسف و أسى للملقن و المتلقن على حد سواء في الأمد المتوسط و البعيد، و قد بدأت ملامح ذلك تتجلى للعيان في ما أسفر عليه هذا الإتجاه من نتائج تهم طلاب العقد الأخير على الخصوص .
الجدال، في رأيي، يجب ألا ينصب على السؤال التالي: أي استعمال للغة يحظى بالأسبقية و بالتالي يحجب الإستعمال الآخر أو يمحوه، استعمال اللغة تواصليا و بطلاقة تبعا للطريقة الوظيفية، أم استعمالها استعمالا تحليليا سليما دقيقا تبعا للطريقة النحوية ؟ بل يجب أن ينصب على كيفية الموازاة بينهما و الإجتهاد و البحث في سبل إرساء طريقة مركبة تمزج الإستعمالين إيمانا بأن القدرة التواصلية الجيدة و قبول استعمال اللغة يتوقفان على الدقة و الضبط في مختلف الجوانب اللغوية شكلا و مضمونا.
كما أن المرونة و محاولة التكيف مع اختلافات الرؤى و التباينات و الإشكالات المطروحة في ما هو مقرر من و في كتب تدريس اللغة العربية المعاصرة كما و كيفا أو في المقالات الإخبارية الحية أصبحتا ضرورتين ملحتين سواء ما أهمّ في هذه الإشكالات الجوانب اللغوية من نحو أو أسلوب أو ما أهمّ فيها من محتوى و مضمون باعتبار اللغة كائنا حيا يتأثر بمحيطه إيجابا و سلبا، و حينما نقول المرونة و التكيف لا نعني بهما الخضوع و الإستسلام .
هذه الملاحظات تطرح بإلحاح التفكير مليا في إشكالية تدريس النحو في اللغة العربية المعاصرة، و تستدعي من الممارسين ميدانيا و المنظرين وقفة تأمل و تفكير في ما يلي:
ـ ما ينبغي التركيز عليه من قواعد في كل مستوى على حدة من مستويات اكتساب اللغة و كيفية ترتيب هذه القواعد تبعا للوظائف و الأهداف المرسومة.
ـ ما يمكن اعتباره خطأ نحويا فادحا يجب تداركه و سبل تصحيحه تصحيحا تشاركنا، و ما يمكن اعتباره خطأ متداولا يتم تجاوزه باعتبار أن " عصرنة" اللغة تتطلب ذلك .
ـ التباينات اللغوية المطروحة في الساحة لدى الناطق بالعربية سواء منها المفرداتية أو الإملائية أو حتى النحوية.
ـ معايير جديدة تنطلق من وا قع اللغة حالا يمكن من خلالها تقييم الناطق بغيرها و الحكم على كفاءته اللغوية و تجنب المعايير الإستنساخية.
فما تم طرحه من تساؤلات
أو أسئلة وإبداؤه من ملاحظات يمكن التعامل معه في ضوء إشكاليتين أساسيتين تواجه
عمل المدرس و المهتم بتدريس اللغة العربية كلغة أجنبية: الأولى عامة ترتبط
بالتقليد العام المتبع في تدريس اللغات الأجنبية عموما، و الثانية خاصة ترتبط
بطبيعة اللغة العربية ذاتها.
فيما يخص الإشكالية الأولى، يلاحظ أن التنظير لا يساير الواقع في هذا الباب، إذ بينما ينحو الأول أي التنظير منحى توجيه اللغة توجيها وظيفيا تواصليا، الأمر الذي يحتم تقليص الشروح النحوية و ما يتبع ذلك، يسلك الثاني أي الواقع مسلكا مغايرا يعكسه ما يقدم للطلاب من واجبات و فروض و امتحانات يأخذ فيها جانب الدقة و الضبط و الذي يعني في الغالب الجانب النحوي حصة ليست باليسيرة عموما إن لم تكن الكبرى غالبا. قس على ذلك الإختبارات الرسمية سواء منها ما يهم تحديد مستوى الطالب أو تقييم كفاءته اللغوية، إذ ينظر إلى النحو كأمر جوهري حاسم، و ينتظر من الطلاب إظهار تدرج واضح و انسياب متنام في الدقة النحوية للجزم في وضعهم من خلالها في خانة محددة.
نفس هذا التعارض إن صحت تسميته كذلك، يتجلى فــي معظم الكتب المعتدمة حاليا في تدريس اللغة العربية كلغة أجنبية، نجدها ممهَّدة بمداخل تحمل توجيهات و شعارات براقة تذهب كلها في اتجاه ما تسميه التواصل، لكن سرعان ما نرى عكس ما تسوّق له في مقدماتها و ديباجاتها عند تفحص محتويات دروسها: جداول هنا و هناك في التصريف و الأوزان و ما شابه ذلك تحتل صفحات، و عروض قد تتعدى الصفحتين أحيانا في الوحدة ذاتها و بلغة وسيطة هي لغة الطالب مشحونة بمصطلحات لسانية يقف مستفسرا عن معناها في لغته، كل ما يمكن القول بشأنها أنها عروض نحوية لسانية نظرية لا علاقة لها بتواصل أوغيره، مزكاة بتمارين ليست بالقليلة تسبح كلها في نفس الفلك آخذة بذلك حصة الأسد في الدرس أو الوحدة المعنية، ناهيك عن الخلل الموجود في ترتيب أو تسلسل النقط النحوية في الوحدات أوالدروس ككل بل و في الوحدة عينها ، إضافة إلى طرق تناولها و تقديمها و تمرينها دون مراعاة لتنظيم منطقي سليم تسهل معه تنمية القدرة التواصلية المنشودة.
يضاف إلى هذا الخلل خلل عدم تناغم الكتب الواحدة في أجزائها قلبا و قالبا، و يكفي القول ما دمنا في إطار الإشكالية النحوية أن الظاهرة المحيرة في هذا الشأن تتمحور في سلوك كتب في المرحلة الإبتدائية مسلك عدم تضمين دروسها شروحا نحوية تُذكر إيمانا من مؤلفيها أن فكرة التواصل تغني عن ذلك ، لكن سرعان ما ينقلب نفس المؤلف أو المؤلفين في أجزاء كتبهم الموالية رأسا على عقب و يضمنونها شروحات و عروضا و تطبيقات نحوية لا تمت بصلة لما تم الترويج له مسبقا في ديباجاتهم، الأمر الذي يجعل المدرس في حيرة قد يعيد معها حساباته في التعامل مع ما بين يديه من أوراق ، كما تجعل الدارس أيضا في ارتباك قد يتردد في مـواصلة سيره الدراسي أو تدفعه إلى تغيير مساره .
الواقع، و بغض النظر عما نعيشه بما أسميه "أزمة كتاب" في عملنا هذا، و عن مواقف المؤلفين و المنظرين من إشكالية تدريس النحو، هو أن مدرس اللغة العربية يشرح فعلا النحو لطلابه، إن لم يكن دائما فغالبا، و إن لم يكن غالبا فأحيانا، سواء في المستوى الإبتدائي أو غيره، و سواء تضمن الكتاب المعتمد نحوا هادفا أو لم يتضمنه، يفعل ذلك لأنه يؤمن بأن هذا الأمر لا مناص منه لإبحار سفينة المعرفة بعيدا قدر ما استطاع إبحارا آمنا و عدم الإكتفاء بإقلاعها خطوة أو خطوتين و التخلي عنها تتقاذف بها الأمواج لمصير مجهول، و بأن طبيعة اللغة ذاتها تحتم ذلك، و الطلاب بالتالي في حاجة ماسة له. فمهمة المدرس ليس تلقين و تحفيظ الدارس جملا و عبارات فحسب، بل تمكينه من كيفية التفكير في ما يلقنه له و تحبيبه له، و هنا يكمن جوهر فن التدريس، لذا يجب العمل على توجيهه و إغناء ما يتم تأليفه من كتب و مواد و مده بتقنيات تساعده على أداء مهمته خير أداء بدل شحن هذه الكتب بما لا جدوى فيه و منه و ترك كل مدرس يغني على ليلاه .
حقيقة أن طرقنا المعتمدة في التدريس حاليا تحولت إلى اعتماد نحو سطحي يغلب عليه ما يسمى النحو العملي، و إخضاع الدارس إلى أنشطة تواصلية لا تعتمد التحليل البنيوي في الظاهر، و لا ضرر في ذلك ما دام الأمر يستدعي هذا النهج في وقتنا الحالي، لكن هذا لا يعني التخلي عنه مطلقا أو التقليل من إيلائه أهمية كبرى في التيار التواصلي، إذ يبقى التحليل في لغتنا على أرض الواقع ـ شئنا أم أبينا ـ عنصرا فعالا تُفك به خيوط اللعبة إن حالا أو مستقبلا .
و عليه، يتطلب منا هذا الطرح أن نجعل ما بأيدينا من أدوات، كتبا على الخصوص و ما شابهها، تعكس واقع هذا الحال بنفخ روح فيها و اعتماد الصالح في محتواها و طرح الطالح، و ضبط مسار كل جانب في دروسها و في مختلف المهارات عند ملاحظة زيغها، و أن يرى الدارس تماسكا و انسجاما و توافقا في نهجنا و طرقنا و سلوكنا يوما عن يوم، و أن لا ننتظر حينا من الزمن حتى بلوغ وحدة ما ثم ندعوه بعد فوات الأوان لنقدم له مفاتيح معرفة كنه و جوهر لغتنا و كيفية عملها.
أما فيما يخص الإشكالية الثانية و التي ترتبط بطبيعة
اللغة ذاتها و ببنيتها، فتطرح في هذا الباب أسئلة هامة يجب أخذها بعين الإعتبار
عند التحضير تتعلق بتنوع الأساليب ـ و ليس اللغة كما يجري الترويج له ـ و بملاءمة ما
تم اختياره و إعداده من مواد تديسية من مفردات و عبارات و نحو، و ما يناسبه من
تقنيات و أنشطة للإحاطة بالوظائف المزمع تناولها في مختلف المستويات لبلوغ
الهدفين الأساسيين: الدقة و الكفاءة.
يجب أن يُفهم النحو بادئ ذي بدء كخطاب يُنظر فيه إلى جانب مساهمته في تكوين المعنى المقصود و الرسالة الموجهة، و أن يُدرك أن مسألة التنوع أضحت مسألة لا غنى عنها في التدريس و أن للملاءمة أهمية قصوى في استعمال اللغة، فما يجدر فيه التعبير بالعامية و يبلّغ الرسالة على أكمل وجه يُتحدث فيه بالعامية و لا ضير أو حرج في ذلك، و ما يلائم بشأنه تعبير فصيح أدبي أو غيره يجب أن تحترم فيه قواعد الخطاب في مختلف مستويات تدريس اللغة العربية كلغة أجنبية و يؤخذ بعين الإعتبار هذا الأمر منذ المراحل الأولى في تلقين اللغة.
ما شغلني كثيرا و جعلني أسكب عليه كل ما بقلبي من لوم هو جانب التنظير الذي مزّق اللغة العربية و جعلها لغات كما يزعم، و سوّقها للطالب في علب ظنا منه أنه خدمها و رتبها و نظمها. قد يكون هؤلاء المنظرون قد فعلوا ذلك عن حسن نية و قد يكون الفعل لغرض في نفس يعقوب، ليس هذا موضوع بحثي، لكن كنت أحبذ لو تم بدل ذلك ترسيخ فكرة التوحيد و بذل ما بذلوه من وقت و جهد و مال في البحث في أوجه اللغة وأساليبها لا تبويبها في لغات و حصر الطلاب في أقفاص. هذا التنظير شكّل للأسف بمفهومه هذا صورة نمطية ترسّخت في أذهان الدارسين و جل المدرسين، الأمر الذي جعل حظ النحو تتفاوت نسبته من لغة إلى لغة داخل اللغة نفسها و قد تذوب أو تنعدم هذه النسبة في بعضها أحيانا، و أصبح وضع الطالب عموما شبيها بطائر تتم تربيته في قفص لفترات ثم يطلق سراحه ، فلا يجد المسكين أمامه إلا خيارين، العودة إلى القفص من جديد أو التحليق إن استطاع في فضاء مجهول المصير. وما نراه يروج من كتب دراسية على الخصوص و نصوص حية من أخبار و مقالات و غيرها تصاغ كنماذج للتدريس في باب ما يسمى اللغة العربية المعاصرة يعكس هذه الصورة إلى حد كبير، فنظرة تأملية لمحتواها و شكلها و مفرداتها و أسلوبها و نحوها تشخّص ما نعانيه من ضعف و خلل و ليس ما تعانيه اللغة فهي براء، و تجيب بالتالي على ما تم و يتم طرحه من تساؤلات.
نخلص إلى القول إن النحو قد يكون ضرورة و قد يكون خيارا تبعا لما خُطط له سواء في ما هو مقرر من كتب أو في فلسفة ما بُرمج له، و الضرورة لها أحكام يحرص صاحبها على التدقيق فيها و ضبطها بنفَس خال من الجمود، و يبعث في ما يقدم من شروحات و تطبيقات روحا تتسم بالحيوية و المرونة، و خير وسيلة لذلك الإجتهاد في سبل تقديم المادة النحوية كنهج الطريقة الإستنباطية و التدرج في الوصول إلى الهدف و التبسيط و أسلوب مقابلة التركيب بما يوازيه في لغة الطالب الأم، و اعتماد التقنيات الحديثة في التمرن والتطبيقات النحوية الشفاهية و الكتابية بعيدا عن الإستظهار و الشحن و القوالب التقليدية، و إلباس نقط الدرس النحوية لباسا وظيفيا يجعل الطالب شريكا لا مستمعا شأنه في ذلك شأن باقي المهارات اللغوية.
أما الخيار
فلا أحكام له تستحق الذكر، إذ يطلق فيه العنان لصاحبه يصول و يجول، فما جاء صحيحا
يُحال إلى قواعده، وما جاء خاطئا خطأ فادحا يُبرّر فيه بأنه لا يؤثر في المعنى أو
هو مألوف لا يُكثرت بشأنه جانب الصواب أو يُعاد النظر فيه لتصحيحه، وهنا يكمن جوهر
السؤال الذي طرحته في مقدمة البحث عند ذكر اعتماد النحو خيارا: أي نحو ندرّس ؟ و
لماذا ؟ سؤال محير فعلا يضع المتأمل بين نارين، التعامل مع ما هو مطروح في الكتاب
أو المقال مع ما عليه من مآخذ نحوية و الخضوع بالتالي للأمر الواقع، أو التشمير عن
الساعد و تقويم ما اعوج مع توجيه السهام إن لزم الأمر ذلك.الناران كلتاهما حارقتان، فالأولى إستسلامية إلى أبعد
الحدود لا تريح الضمير، و الثانية قاسية إلى حد ما قد تجعل الدارس مستغربا في حيرة بين ما يتضمنه
النص بين يديه و ما يبديه مدرسه من ملاحظات تقويمية بشأنه، الأمر الذي يمكن أن
يزعزع ثقثه في أحد العنصرين أو كليهما. يبقى الحل في رأيي لا ضرر و لا ضرار، ضبط
ما هو أساس و المرونة في ما هو ليس كذلك، مع الحرص على أن يبقى
نهج اعتماد تدريس النحو خيارا نهجا سليما في مجمله لا تشوبه أخطاء فادحة و
لا يجتهد في شأنه بخلق لغة عربية جنيسة.
أما جانب تحبيب النحو في الضرورة و الخيار معا فهو الجانب المستعصي بهذا الباب، و تلعب فيه الخبرة و المهارة الدور البارز.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن شخصية المدرس و نظرته لإشكالية تدريس النحو تُشكل الحاسم الأساسي في هذا الأمر في رأيي المتواضع، فإذا كنا نهدف التواصل في التدريس، فيجب في الواقع أن يكون إطار ذلك ما يقوم به المتحدث الأصلي الأمثل في اللغة و كيف يتعامل معها و نأخذه نموذجا يُقتدى به لا أي متحدث، كما يجب الإبتعاد عن استنساخ أنماط و تراكيب لا تمت بصلة للغة العربية و تجنب التصنع في اللغة و خلق قواعد ما أنزل الله بها من سلطان .و بلوغ هذا الهدف يستدعي التحري و قدرا من الليونة و المرونة لا تصل الميوعة. و إذا كان التدريس بهدف الدقة في الفهم و التحليل و الخوض في كنه المعاني و الألفاظ ، فإطار ذلك يحكم قواعده أسلوب النص قيد الدرس و جوهره، و الذي لا مجال فيه إلى الإجتهاد النحوي بل المعرفة الجيدة بكنه اللغة والضبط و الحزم و النفَس الطويل و الإلمام بمقاربات التدريس و تقنياته .
تم بعون الله و حمده
ذ. محمد الزعيم
السلام عليكم.
ReplyDeleteإنها سنة حسنة أن نفتح ملتقى علميا نبحث فيه قضايا تدريس العربية للناطقين بغيرها بنا عل تجارب الزملاء ونماذج المتعلمين.على تكون النظريات والدراسات السابقة في الموضوع للاستئناس وليس هي الأساس.خصوصا وأن معهدنا بفاس يشكل أرضيةخصبة لخوض هذا البحث نظرا لتنوع برامجه ومتعلميه ومستوياتهم وتراكم التجربة المتوفرةلدى المدرسين.وعليه يمكن وضع استمارات دقيقة لجمع المعطيات والآراء لاستخدامها بدقة.والستدلال بها.
لتحصيل كفاءة لغوية سليمة لا بد من الاهتمام بقواعد اللغة خاصة إذا تعلق الأمر بالعربية ولاسيما اذا كان المتعلم ناطقا بغيرها..لأن النحو كما تذكر الدراسة هنا عنصر فعال وهو بمثابة مفتاح لجوهر هذه اللغة وكنوزها.والنحوعلى جميع الأوجه مفيد ومعين على تحصيل اللغة وضبطها .سواء كان وظيفيا عمليا او نظريا صرفااوضمنيا في تلقين المفردة والجملة والعبارة في صيغ صرفية مختلفة وأنساق بنائية متنوعة.ويمكن الفصل بأن المادة النحوية يمكن تدريسها مستقلة عادة للناطقين بالعربية لمساعدتهم على تمييز الخطأ من الصواب في اللغة وإدراك الحالات الإعرابية بسهولة ثم القدرة على إنتاج خطاب لغوي سليم.أما بالنسبة لغير الناطق بالعربية فإن مستواه ورغبته هما اللذان يحددان منهج التعامل مع النحو لدى المعلم..على أن هذه المادة لا يمكنتهميشها كليا أو الاستغناء عنها تماما.لأن الأمر يشبه تعليم السياقة بدون تعليم قانون السير.فإذا تعلم المرء كيف يسوق سيارة دون أن يعرف علامات السير فإنه سيرتكب مخالفات لا حد لها وحوادث عديدة لا محالة.. كذلك دارس اللغة بدون قواعد.لا مناص من تسجيل أخطاء لغوية وهفوات الى حد تشويه اللغة ناهيك عن غموض الخطاب اللغوي.
ReplyDeleteفنحن مع من يعتبر مادة النحو مبدئيا.ومع مرونة تقديمها بالطريقة المناسبة للمتعلمين حسب ميولاتهم ومستوياتهم.
واله ولي التوفيق.