Wednesday, June 1, 2016

الموضوع ٥ : المنهج الوظيفي الإفتراضي



الحوارات الوظيفية نموذجا


المنهج الوظيفي الإفتراضي مقاربة من المقاربات التواصلية في تدريس اللغات الأجنبية، ولد ببريطانيا في بداية السبعينات و ترعرع بها بضع سنوات ثم شق طريقه إلى العالمية في بداية الثمانينات بتأليف كتب و مقالات تُنظِّر له بموازاة مع أخرى تطبيقية تهم لغات مختلفة. تشرفت سنة ١٩٨٤ في شهر شتنبر صحبة ست زملاء من تونس و اليمن و المغرب بالمشاركة في ورشة تدريبية دامت زهاء أسبوع بمدينة المحمدية تخص هذا المنهج و غيره تحت إشراف الأستاذة  Carol Akiyama  و الأستاذ Nobuo Akiyam  من جامعة فيرجينيا. كان التكوين مثمرا حقا عاودني إلى ذكراه حنين، فقررت الكتابة فيه إحياء لها و تعميما للفائدة إن شاء الله إنطلاقا من خبرة متواضعة في هذا النهج .
 المقاربة تستند إلى عنصرين أساسيين، الأول ذو طابع وظيفي يتعلق بمفاهيم مجردة تهم المكان و الزمان و الأسباب والآثار. و الثاني ذو طابع إفتراضي يهم الإستعمال المقصود من اللغة. و تعتبر بحق من أنجع السبل لبلوغ الأغراض المحددة في تدريس اللغات الأجنبية و إرضاء حاجيات الطلاب التواصلية، إذ فيها تأخذ صبغة الوظيفة المركز الأساسي ويتصدر التخاطب فيها باقي المهارات .   
ما يميز هذه المقاربة عن أخواتها كونها تستند بالأساس في مجملها إلى توظيف ما يهم وضعية محددة بالذات من مفردات و تراكيب و عبارات على الخصوص توظيفا محكما يتم في حوار مقتضب و مركز يتخذ جوهر الوضعية عنوانا له. كما أن تقنيات تدريسها تمكّن من جانب المتعلم استيعابه محتوى الفرضية بسهولة، و التفاعل مع ما خُطّط  له من غرض أو أغراض في الدرس، و حفظ مكونات الحوار من مفردات و عبارات داخل الصف أثناء تجسيد الفرضية  في مرحلة التخصيص و تمثيل الدور أو الأدوار في الحوار كما سيأتي، و تُسهّل من جانب آخر المأمورية على المدرس في تقديم و تركيز و استغلال ما يمكن أن يُستعصى التعامل معه من مفردات و تراكيب و عبارات على الخصوص . 

الإنطلاقة في التحضير تكون بالتفكير في فرضية من الفرضيات التي ننوي تدريسها، أسوق هنا على سبيل المثال: الإعتذار، الشك ، الخوف، التردد، الندم، التعاطف، الرفض، التوبيخ... نحتفظ بما اخترناه فرضية عنوانا للدرس، ثم نقوم بجرد محكم و دقيق لما هو مهم، أساسي  و مناسب للفرضية موضوع الدرس من مفردات و تراكيب و عبارات متداولة بشكل يلائم الكتابة الحوارية. بعد هذه الخطوة، نشرع في حياكة حوار وظيفي ملائم لمستوى الطلاب، مركَّز يسهل حفظه وتداوله، و جذاب يثير انتباه و فضول الطلاب، يتم الحرص فيه على الشكل الطبيعي لاستعمال اللغة دون تكلف أو تصنّع، تماما كما يُتوقّع تداوله في الحياة اليومية  بين أهل الناطقين باللغة. ما يجب الحرص عليه أثناء تأليف الحوار هو التعميم و ليس التخصيص، لا نذكر أسماء و لا نسرد تفاصيل لما حدث أو سيحدث، بحيث تظهر الصورة النهائية للحوار معبرة عن عنوانه لكن دون معطيات محددة بداخله، كل من يقرأه أو يستمع إليه مجسدا، يدرك موضوعه و كنهه، و يتفاعل مع عباراته و مضمونه، دون أن  يدري تفاصيل ما حدث و التي سيأتي الحديث عنها في مرحلة الإستغلال لاحقا  فيما يطلق عليها مرحلة الخيارات أو الإحتمالات .
بعد مرحلة التخطيط هذه، و التي نكون قد أعددنا فيها مستلزمات الدرس: الفرضية ، جرد لمفرداتها و تراكيبها و عباراتها، و الحوار العام المعبر عنها، ننتقل إلى مرحلة التطبيق، و فيها يتم تقسيم الحصة إلى حصتين إن صح تصوير ذلك بهذا الشكل، حصة مصغرة تُقدَّم فيها المفردات و التراكيب الجديدة بمعزل عن الحوار و في سياقات مختلفة باعتماد الطريقة المباشرة في تدريس اللغات و هي الأنسب في هذا الباب تبعا لما جرّبت على أرض الواقع، ثم حصة التعامل مع الحوار باعتماد المنهج الوظيفي الإفتراضي باتباع الخطوات التالية:
١- قراءة صامتة للحوار قصد التأمل و الإستيعاب.
٢- إرتسامات عامة فاستنباط محور الفرضية.
٣- الإستدلال عنها بما يلزم من مفردات و عبارت واردة في الحوار.
٤- تخصيص الفرضية بما يمكن من احتمالات  أو خيارات، يستحسن ألا تقل عن عشرة.
٥- توظيف ما يلزم من جمل في الحوار بالخيارات أو الإحتمالات التي تم سردها بطريقة ميكانيكية يرسخ معها التعبير في الذهن نتيجة تكراره في كل احتمال على حدة.
٦- تمثيل الحوار بأكمله تبعا لكل خيار أو احتمال على حدة.
٧- كتابة الحوار كواجب منزلي مجسّدا باحتمال أو خيار واحد يختاره الطالب من الإحتمالات المتمرَّن عليها أو آخر من مخيلته في نفس السياق .

لنتناول في ما يلي نموذجا تطبيقيا لتوضيح الصورة عمليا:
خطة الدرس:
* المستوى: المتوسط
* المدة: ٣ ساعات
* الموضوع: الشك

* الأهداف: - التعبير عن عدم القدرة على تصديق خبر ما.
                 - الشك عند المفاجأة.
                 - محاولة الإقناع.        
* الطريقة و التقنيات:  - الطريقة المباشرة في تقديم المفردات.
                               - الطريقة الإستنباطية في الإختيارات.
                               - المنهج الوضعي في تركيز ما يلزم من تعبيرات.
                               - تقنية تمثيل الأدوار.
           
* المفردات و التراكيب و العبارات:
يعني           أدرك / يدرك        صدّق / يصدّق – لا يصدق           حصل / يحصل
يمكن / لايمكن
متيقن /ة       مستحيل             آسف / ة           أدنى
الحقيقة             الشك               طبعا              عجبا 
  
* الحوار:
يوسف : هل أنت متيقنة ؟
عائشة : نعم، ليس هناك أدنى شك.
يوسف : لا يمكن .. أبدا .. مستحيل !!
عائشة : أعرف، و لكن هذه هي الحقيقة.
يوسف : هل تدركين ما يعني هذا ؟!
عائشة : طبعا أدرك .. طبعا .. و لكن..
يوسف : عجبا ! أمر لا يُصدَّق..
عائشة : آسفة .. هذا ما حصل.

* التخصيص (الخيارات أو الإحتمالات):
يوسف لم يُصدِّق ما أخبرته عائشة بخصوص:
١- رسوبه في الإمتحان.
٢- حملها منه دون زواج.
٣- سفرها بعيدا عنه.
٤- فقدانه عمله.
تضاف خمس خيارات أخرى على الأقل إلى هذه الإحتمالات الأربعة  من اقتراح الطلبة.

* إستغلال ما يلزم من تعبيرات واردة بالحوار في تطبيقات ميكانيكية:
إخترت كنموذج من الحوار أعلاه جملتين ليوسف و جملة واحدة لعائشة لهذا الغرض، و فكرت في توظيفها ميكانيكيا على الشكل التالي:
+ يوسف:
هل أنت متيقنة أني رسبت في الإمتحان ؟  (١)
هل أنت متيقنة أنك حامل ؟ (٢)
هل أنت متيقنة أن قرارك مغادرة البلد نهائي ؟ (٣)
هل أنت متيقنة أنه تم طردي من العمل ؟ (٤)
.... و هكذا يواصل الطلاب في تكوين ما يلزم في باقي الخيارات التي تم إقتراحها، ثم يتم الإنتقال بعد ذلك إلى الجملة الموالية و المواصلة على نفس النهج كما يلي:
+ عائشة:
أعرف، و لكن هذه هي الحقيقة، رسبت في الإمتحان. (١)
أعرف، و لكن هذه هي الحقيقة، أنا حامل. (٢)
أعرف، و لكن هذه هي الحقيقة، قررت مغادرة البلد. (٣)
أعرف، و لكن هذه هي الحقيقة، تم الإستغناء عنك. (٤)
... و هكذا إلى آخر احتمال. يلي ذلك تخصيص الجملة الموالية بنفس الوتيرة السابقة كما يلي:
+ يوسف:
عجبا ! أمر لا يُصدَّق.. أعددت مايلزم للإمتحان جيدا. (١)
عجبا ! أمر لا يصدّق.. كيف حصل هذا ؟! (٢)
عجبا ! أمر لا يصدّق.. لم أتوقّع قرارك هذا. (٣)
عجبا ! أمر لا يصدّق.. لا يمكن للشركة الإستغناء عني. (٤)
... و هكذا دواليك إلى آخر إحتمال.

* تمثيل الحوار:
يتم تمثيل الحوار بأكمله بكل احتمال أو خيار على حدة في مجموعات مصغرة أو في عروض أمام باقي الطلاب،. هذه المرحلة تُجسِّد واقع الحياة المعاش، لذا يتم الحرص فيها على لعب الدور بانفعال و مراعاة النبرات الصوتية و اللغة الجسدية بجانب النطق السليم و الطلاقة في التعبير، الأمر الذي يستدعي أن تأخذ هذه المرحلة من الدرس حصة الأسد باعتبارها اللؤلؤة التي تتوسط العقد.

* مرحلة الكتابة:
تتم كما أسلفت بكتابة الحوار كاملا بأحد الخيارت أو بخيار آخر لم يتم سرده في التطبيقات حسب رغبة الطالب بالصف أو بالبيت أو بهما معا.

من خلال هذه المعطيات الأولية، تتجلى بعض مزايا هذه المقاربة و التي سأحاول التركيز فيها على مزيتين أساسيتين، أولاهما أن الطالب يتعلم من خلالها كيفية استعمال اللغة للتعبير عن أهداف تواصيلة متداولة لصيقة بالحياة المعاشة و غير مصطنعة. و ثانيها أنها يمكن أن تثير فضول الطالب لكونها تحفّزه على استعمال اللغة للتعبير عن أغراضه و أفكاره و مشاعره و ما يجول بوجدانه و تنمّي خياله و تقوّي فيه روح المشاركة و العمل الجماعي .
لكن بالمقابل هناك بعض المآخذ على هذه المقاربة أهمها ما تتسم به الفرضيات فيها من تجريد يمكن أن يشكّل صعوبة أو عائقا لدى بعض الطلبة في التفكير في وظائف تواصلية خارج  سياق ملموس. كما أن الجمل المستعملة في فرضية ما في الحوار تتشابه إلى حد ما للتعبير عن الغرض ذاته، فتكون الوظيفة التواصلية  بالتالي معبَّرا عنها بمستوى واحد ينتفي فيها التدرج في صعوبة التركيب. و ما سُقته في حوار الدرس النموذجي أعلاه خير مثال على ذلك. يضاف إلى هذا، تعارض هذه المقاربة مع النظرية البنائية التي تدّعي أن انهماك المعلم في تجسيد المعلومة تعبيريا بما اختاره هو من جمل و عبارات وتأكيدها و تكرارها إلى درجة تحفيظها لن يكون مُجدِيا في بناء هذه المعلومة كما يريدها المتعلم نفسه و يتصورها في ذهنه.
يبقى الحَكَم أرض الواقع .
من احتكاكي بهذا النهج فترة ليست باليسيرة، يمكنني الجزم بفعاليتها تواصليا رغم ما تُسببه من ملل أحيانا لدى فئة من الطلاب الذين يتصفون بالإستقلالية في التعلم خصوصا في مرحلة تكرار العبارة رغم تنوع الخيارات، لكن بنوع من الإجتهاد و الذكاء يمكن تجاوز هذا الأمر .
كما أن هذه المقاربة جد هامة في رأيي في التعامل مع التعابير و الأمثال المتداولة في الحياة اليومية التي تحمل رصيدا ثقافيا و دينيا بجانب تعقيدها اللغوي أحيانا، إذ تُمكّن الطالب من سرعة استيعابها نظرا لما تم من خلق سياقات شبه واقعية لها، و تمكينه من حفظها و استعمالها في مشاهد بالفصل و في فترات وجيزة .
وهي إلى جانب هذا وسيلة فعالة في تدريس ما يسمى اللغة التقنية ، إذ تساعد على تلقين المفردات و العبارات المتداولة في ميدان تقني صرف بطريقة سلسة من قبيل عَطَب بجهاز أو محاولة إصلاحه أو توجيهات لتشغيله وغير ذلك..
المقاربة يمكن تداولها في مختلف المستويات من التحية مرورا بالتسوّق وما إلى ذلك من الحاجيات اليومية و المناسباتية إلى التعبير عن المشاعر كما تم في النموذج أعلاه إلى الحياة العملية التقنية المحضة. تبقى الإشارة إلى أن التحضير لها ليس بالأمر الهين، فهو يتطلب وقتا و جهدا وفوق هذا وذلك حبا بل غراما ولن أبالغ بالقول هُيامـــــا.

فيما يلي نموذج آخر ـ و به الختم ـ من ذكريات تدريسي العامية المغربية أقدمه لزملائي المغاربة خاصة و كل المهتمين بلهجتنا الحبيبة عامة، حوار في هذا النهج  بعنوان " توبيخ "، يتضمن عبارات عامية قحة يصعب التعامل معها بالمقاربات المعتادة، أترك القارئ يتأمله ويفكر في وضع خطة مماثلة للحوار الأول أعلاه و لو إفتراضيا من باب الفضول المعرفي آملا الإستفادة من هذه المقاربة في ما يراه الزملاء و الزميلات الأعزاء مناسبا لطلبتهم في الفصحى أو اللهجات المحلية على حد سواء :

* المستوى: المتقدم
* الموضوع: التوبيخ

- حوار بين " أ " و " ب ":

أ /     أنت سباب هاد الشي كلشي ! إيوا شفتي ؟ كون ... !
ب /   ما كاين ما يتقال دابا . اللي عطى الله عطاه.
أ /     ولكن عل الأقل كان خصك ترد بالك !
ب /   إيوا خلاص .. شحال قدك ما ترد بالك ؟!!
أ /     إيوا، أشنو المعمول دابا ؟
ب /   و الله ما نعرف. و انت ؟ أشنو ضهر لك ؟
أ /     انت تعرف . إيوا اللي دارها بديه ، يفكها بسنيه.
ب /   عندك الحق ..

إنتهى بعون الله و حمده
                                                                                      ذ. محمد الزعيم 
                                                                            




No comments:

Post a Comment