Thursday, April 28, 2016

الموضوع ١: إختبار الكفاءة اللغوية و اختبار حصيلة

      
    إختبار الكفاءة اللغوية و اختبار حصيلة

    يمكن أن نقسم الإختبارات تقسيما أوليا مبسطا إلى قسمين أساسيين (دون الخوض في غمار التقسيمات التقنية الفرعية أو الدقيقة إذ هذا ليس هو موضوع بحثي): 
إختبار حصيلة محددة و اختبار الكفاءة.
هذا التقسيم في رأيي لا يقتصر على معرفة دون أخرى بل يهم مختلف المعارف فكرية كانت أو غيرها. و ما دمنا في مناخ لغوي، سأسمي القسم الأول إختبار حصيلة لغوية معينة محددة في الزمن و القسم الثاني إختبار الكفاءة اللغوية في مختلف جوانبها الكلاسيكية منها أو ما يصطلح عليها حاليا بالوظيفية.

١/ إختبار حصيلة لغوية:
 إختبار حصيلة لغوية معينة هو اختبار مهارة أو مهارات لغوية تمت تنميتها في مدة محددة. و الشكل المعياري المتداول في هذا الإطار هو الإمتحان القياسي، و هو شكل ثابت و محدد المعالم يهدف إلى اختبار ما تم تدريسه في مستوى محدد و طبقا لبرنامج أو مقرر محدد و في فترة محددة. و النتائج المحصل عليها في هذا النوع من الإمتحانات تستعمل غالبا في نظام تعليمي ما لتحديد الخطوة التالية بالنسبة للمتلقن، و هي إما الفوز و العبور إلى المستوى الموالي أو تمكين الطالب من فرصة أخرى بإعادة الإختبار في المهارة الممتحنة أو تكرار المستوى إذا لزم الأمر ذلك. 
هذا الشكل هو المتداول في معظم المؤسسات إن لم يكن كلها.

٢/ إختبار الكفاءة اللغوية:
إختبار الكفاءة اللغوية يقصد منه إختبار قدرة الشخص على التعبير في لغة مكتسبة. و هنا تطرح إشكالية تحديد هذه القدرة و مكوناتها، و بالتالي طريقة و كيفية تقييمها، الأمر الذي حدا بكل جهة معنية من معاهد و جامعات إلى سلوك نهج خاص بها تبعا لمنظري هذه الجهة أو تلك، قد تتفق في جوانب و هو الغالب و تختلف في أخرى و هو النادر، لتقييم هذه الكفاءات تحت مسميات مختفلة سنتناول بعضها بالعرض و التحليل لاحقا إن شاء الله. لكن بإمكاننا الجزم بتقارب الرؤى في معظمها رغم اختلاف التسميات و النهج.

ما استرعى و يسترعي إنتباهي هو اللبس الحاصل في التمييز بين القسمين و ترجيح التعامل مع الإختبارات خصوصا منها الشفوية في تقييم مستوى الطالب بعد فترة دراسية محددة على أساس إختبارالكفاءة اللغوية بدل حصيلة محددة، الأمر الذي يربك الممتحِن و الممتحَن معا، فلا الأول راض كل الرضى و لا الثاني مقتنع بما يكفي. 
أملي هو تسليط الضوء على هذا الجانب الهام في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها و ضبط التقنيات المتبعة في القسم الثاني على الخصوص حتى تتم الإستفادة مما هو مناسب منها في القسم الأول و في غيره.


بدءا بالقسم الأول " إختبار حصيلة لغوية ما "، لا يسعني إلا القول أنه لا يتطلب بعدا حادا في النظر ـ كما سنرى في القسم الثاني ـ  باعتباره محددا أصلا محتوى و زمانا، لكن صياغة أسئلته تستوجب مهارة و ذكاء و دقة. فكل ما يستدعى في المحتوى، تعبيرا كتابيا و شفويا على حد سواء، هو الإحاطة بأسس ما تم تناوله في الفترة الدراسية المحددة  في مختلف المهارات دون زيادة أو نقصان. و لبلوغ الهدف المتوخى من ذلك، يلزم :
أ / الإهتمام بمشاعر الطالب خاصة من لديه مواقف سلبية من الإمتحانات عموما أو إحساس بالإحباط أو ينتابه بعض الخوف و التردد أثناء سماع كلمة " إمتحان ".
ب/ توجيه الطالب في مهارة الكتابة خصوصا بمناقشة نماذج كإعداد قبلي حتى تتضح الصورة و يزول الإرتباك، فمهارة الكتابة ينقصها الكثير في تدريسنا الحالي و هي الحلقة الأضعف، لذا لا غرابة إن كتب الطالب سطرا بدل فقرة أو فقرة عوض صفحة أو لم يكتب أي شيء على الإطلاق.
ت/ إجراء إختبار تجريبي mock exam  شبيه بالحقيقي إلى حد ما لا يعتمد فيه أي تنقيط رسمي و يتم تداول ما استعصي منه في مجموعات مصغرة أو بشكل جماعي.
ث/ تجنب الجو الإستنطاقي في اختبار مهارة التعبير الشفوي و كسر كل حاجز يمكن أن يسبب ارتباكا للطالب و لو بإجراء الاختبار خارج الفصل مشيا إن تطلب الأمر ذلك.
ج/ مراعاة المستوى الممتحن فيه و التقيد بما تمت تغطيته من محاور.

كما يلزم تزويد الطالب قبل إجراء الإختبار و في زمن معقول بمستند يتضمن ما يلي:
١ـ  رسما بيانيا يحدد جوانب الإختبار و يضبط زمنه و يفصل نوعية الأسئلة به و يوضح معايير تنقيطه.
٢ـ  قائمة يتم فيها  جرد بعض المفردات و العبارات المستعصية تذكرّها حتى يتاح للطالب بعض الوقت و الفرص لتأملها و تركيزها، و يضفى على الإمتحان نوع من الطمأنينة و الإسترخاء بدل الشك و التوتر.
٣ـ عنونة للقواعد النحوية المراد إختبارها حفاظا على تماسك أفكار الطالب وتجنبا  لتشتيتها أثناء التحضير.
٤ـ  جردا لمحاور إختبار التعبير الشفوي.

القسم الثاني " إختبار الكفاءة اللغوية "  و هو بيت القصيد، باعتباره إختبارا أكاديميا كتبت و تكتب بشأنه أبحاث و تنظم لضبط مساطره ندوات و تكوينات و يتم تقييد الممتحِن و الممتحَن معا بمعايير محددة لا يطلق فيها العنان كما هو ملاحظ في القسم الأول .
ما هو اختبار الكفاءة اللغوية ؟
هو تحليل دقيق لكفاءة لغوية ما، كتابية أو شفوية أو سمعية، لا يرتبط بأي مقرر دراسي ولا بمدة الدراسة و تاريخها و مكانها و لا بطريقة اكتسابها، يهدف حصريا تقييم القدرة في اللغة لتحديد مدى الفعالية التي يمكن التواصل بها في مواقف محددة في الواقع المعاش، فهو اختبار قدرة " الإشتغال " في اللغة إن صح التعبير لا اختبار المعرفة النظرية للجوانب اللغوية أو اختبار التعامل مع الجوانب التعبيرية في اللغة.
شاءت الأقدار أن يأخد إختبار الكفاءة الشفوية أو قدرة التعبير الشفوي التعامل مع لغتنا كلغة أجنبية الحيز الأعظم إن لم يكن الحيز الشامل لأغراض ليست موضوع بحثنا تجعلني ملزما للتركيز عليها دون غيرها من الكفاءات الأخرى مجاراة للواقع. التسميات متعددة، هذا   الإمتحان يحمل إسم كذا و ذلك إسمه كذا لأغراض محددة لسنا بصدد تصنيفها أو سرد تاريخي لها، إذ بالرغم من اختلاف التسميات بغرض تمييز نفسها، فهي في رأيي تسبح في فلك واحد. ما يهمنا منها هو الإستفادة من لب محتواها و أساليبها و تقنياتها و توظيف ما يناسب منها في محيطنا التعليمي.

المحتوى و الأساليب و التقنيات:
١ ـ المحتوى :
يمثل سلم المستويات الهيكل الأساسي للإختبارات الشفوية، و يتضمن كل مستوى محتوى محددا يغطي مجموعة من الوظائف و التعابير تنطلق من البسيطة إلى المركبة في المستوى ذاته.
يمكن إجمال السلم المذكور في ما يلي:
عال 
ـ يستطيع الإقناع .
ـ يدعم الآراء و الإحتمالات و يدافع عنها.
ـ يتحدث في مواضيع نظرية مجردة.
ـ له إلمام باللغة التقنية.
متقدم جدا:        
ـ يمكنه التعبير في المستوى العالي إلى حد ما لكن بشكل غير متواصل.
متقدم:               
ـ يتحدث و يصف بارتياح مجمل الأحوال المعتادة و في مختلف الأزمنة.
ـ بإمكانه مواجهة مواقف صعبة في الواقع المعاش و التغلب على معظمها.
لا بأس به:
ـ لا تتعدى نسبة التعبير لديه عن ما في جعبة المستوى المتقدم النصف.
ـ لا يمكنه التغلب على الصعوبات اليومية إلا نادرا.
متوسط:
ـ يستطيع تكوين تعابيره الخاصة بطريقة متواصولة.
- يحاول توظيف ما لديه في مختلف الأحوال.
دون المتوسط:
ـ يجيب و يسأل في مواضيع الحياة اليومية المألوفة.
ـ يمكنه التعامل نسبيا أوضاع يومية بسيطة لا تتسم بصعوبة أو تعقيد.
مبتدئ جيد:
ـ بإمكانه التعبير في المستوى المتوسط عموما لكن بشكل متقطع.
ـ يتسم حديثه بالتوقف و عدم القدرة على المواصلة.
ـ لديه ما يكفي من العبارات المألوفة في مواضيع الحياة اليومية.
مبتدئ متوسط:
ـ ليست لديه قدرة وظيفية في التعبير.
 ـ يقتصر على عبارات محددة و قائمة مفردات تم حفظها.

مبتدئ بسيط:
ـ لا قدرة لديه على التعبير لغويا إطلاقا.

و باعتبار أن اختبار الكفاءة لا يرتبط برزمة معرفية محددة كما هو الشأن في اختبار حصيلة محددة، فإنه لا يحتاج إلى إعداد مسبق من حيث نوعية الأسئلة و محتواها، إذ أن المقابلة ذاتها تحدد كل ما يعرفه الشخص في التعاطي مع اللغة بما يقدمه من نماذج و عينيات تعبيرية في مختلف المجالات و على كافة مستويات الصعوبة. و هنا تطرح إشكالية مهارة الممتحِن و حنكته و خبرته و مرونته و التفكير مليا في ما يهدف إليه من أي سؤال يطرحه، و إدراك أن الهدف الأول و الأخير من المقابلة اللغوية هو الحصول على معطى لغوي متكامل يشكل نموذجا قابلا لتقييم رصيد الممتحَن اللغوي يمكن من خلاله تحديد المستوى بدقة. و لبلوغ هذا الهدف، يجب استعمال ما يلزم من تقنيات لدفع الممتحِن إلى التحدث و على رأسها تشكيل استفهام يجعل المعني بالأمر ينفعل و يتفاعل و يستجيب، لا أن يجيب بـ (نعم ، لا، يمكن، لا أعرف..)، و أن تكون المقابلة ودية لا إستنطاقية.
كل سؤال في مقابلة لغوية له هدف أو أهداف محددة تكمن إما في تشجيع الطالب على التكلم أو في تحديد مستواه اللغوي أو في تطوير موضوع أو في تكوين مثال في وظيفة ما، أو في تركيب في صعوبة نحوية أو بلاغية أو تعبيرية ما. لا مكان هنا لأسئلة إعتباطية، فالسؤال بدون هدف محدد لايمكن أن يشكل إجابة نموذجية قابلة للتقييم مهما كانت الإجابة طويلة. و عند الإستماع إلى الإجابة، يجب على الممتحِن أن يتساءل إلى أي حد بلغ الهدف المقصود من سؤاله الذي طرحه: هل تمت الإستجابة إلى السؤال بتقديم ما يلزم من معلومات؟ ولماذا ؟ أم أن ذلك لم يتم، و لماذا ؟ هل أجاب الممتحَن في المستوى المحدد؟ و لماذا؟ وإذا لم يتم ذلك، فلماذا؟ هل تم إدراك ما يلزم من صيغ في الجواب (الصيغة الوظيفية و النحوية و التعبيرية من مفردات و أسلوب و غيرها)؟ هل السؤال أثار إهتمام الممتحَن أم لا؟ هذه التساؤلات و غيرها تسمح بتكوين أسئلة محددة هادفة بنيوية ترفع من جودة الخطاب و دقة التقييم.
من هنا نخلص إلى القول مجددا إن اختبار الكفاءة اللغوية لا يخضع لأسئلة مسطرة بل إلى بعد نظر، فالأسئلة و المواضيع تختلف من مقابلة لأخرى في نفس المستوى، و يجب الحرص على استمرارية هذا الإختلاف مع البقاء على نفس النوعية، فالسؤال الفرضي مثلا يبقى فرضيا مادمنا في اختبار وظيفة الفرضية سواء قلنا: ماذا كنت ستفعل لو حصلت على مبلغ كذا من النقود؟ أو قلنا: لو تم انتخابك رئيس كذا، ماذا كنت ستفعل؟ و هكذا..
كما أن الممتحِن ليس معنيا بما يقدمه الممتحَن من آراء و أفكار باعتباره مقيّما للتعبير اللغوي في مختلف جوانبه فحسب، و هو بهذا ليس مطالبا  بأن يكون خبيرا في موضوع ما (أدب، تاريخ، إقتصاد، ديانة، علوم..) لإجراء مقابلة بشكل جيد، بقدر ما هو مطالب بمرونة فكرية و حدّة في الذكاء و بعد في النظر.
أما بخصوص الأساليب و التقنيات، فمن الضروري الحرص كمنطلق أولي على إشعار الممتحَن مسبقا، ويستحسن بأيام، بنوعية الإختبار و معاييره و مدته و هدفه و بعض مساطره من تسجيل صوتي للمقابلة إن تقرر ذلك كما سيأتي، و حضور قبل الوقت المحدد بدقائق، و عدم جلب كل ما من شأنه إرباك سير المحادثة من محمول و غيره. هذا الإشعار يعد في رأيي خطوة أولية أساسية لإشراك المعني بالأمر و كذا إعداده قبليا و توضيح ما لديه من تساؤلات. و ليس من الضروري في هذا الإطار الخوض في التفاصيل التقنية و إرهاق كاهله بمصطلحات لا تعنيه في شيء، إذ تكفي الإشارة إلى أهم المعايير المعتمدة في هذا الشأن في عجالة من قبيل الوظائف و المحتوى و الدقة و نوعية الخطاب الذي يتحدد بكميته و ما يستوفيه مضمونه دون إطناب.
يأتي بعد هذه الخطوة محيط المقابلة، فالتأكد من ملاءمته ضرورة ملحة لإجراء مقابلة جيدة، و يستحب في هذا الإتجاه أن تجرى في غرفة مناسبة لهذا الغرض، مريحة، و في معزل عن كل ما يمكن أن يشتت تركيز الممتحَن و الممتحِن معا؛ و أن تتم المقابلة دون حضور أي شخص آخر باعتبارها بين شخصين وجها لوجه لا أشخاص؛ و يجب كما أسلفت الذكر الحرص على تجنب كل ما يربك جو الإمتحان و سيره من هاتف محمول أو طرق بالباب أو كل مصدر إزعاج؛ كما أن بشاشة الإستقبال و الحرص على جلوس الممتحِن جلوسا مريحا لا يقابله ما يمكن أن يثير إنتباهه من شباك مطل على حركة مرور أو ساعة حائطية أمامه من العوامل الأساسية لإنجاح المقابلة؛ بقيت الإشارة بخصوص هذا الجانب إلى أنه من المفضل تسجيل المقابلة تسجيلا صوتيا لا مرئيا، إذ يساعد هذا الأسلوب الممتحِن في عدة أمور، و يجب الترتيب لهذا التسجيل بشكل جيد إن تقرر ذلك مسبقا قصد التأكد من سلامة تقنياته و جودتها. 


أختم موضوعي هذا بالقول إن جدارة التقييم التي هي إحدى المعايير الأساسية في تقييمات الكفاءة اللغوية الشفاهية منها على الخصوص، تكمن في درجة تماثل تقييمين منفصلين لمقابلة واحدة، و هذا لا يتأتى إلا بالإلمام الجيد بجوانب هذا الموضوع  و الممارسة الفعلية والمتواصلة.

تم بعون الله
                                            ذ. محمد الزعيم                 
                                                                        

2 comments:

  1. "إختبار الحصيلة اللغوية و اختبار الكفاءة اللغوية"
    موضوع أثار انتباهي ففكرت تناوله بالبحث تعميما للفائدة. أرجو من الله التوفيق

    ReplyDelete
  2. فكرة جيدة سي محمد . بالتوفيق أن شاء الله

    ReplyDelete